قلت في مقال سابق إن المثلث المقلوب للتعليم في بلدنا هو أحد أهم أسباب البطالة التي نعاني منها وهذا الانقلاب في مثلث التعليم هو الذي دفع جماعة عمان لحوارات المستقبل لإعداد مبادرة "تغيير الثقافة المجتمعية نحو التعليم المهني" حيث أكدت المبادرة حقيقة مرة وهي أن الطلبة يعزفون عن التعليم المهني بدعم من أسرهم للأسف الشديد، وذلك بسبب ثقافة مجتمعية سائدة تنظر نظرة دونية للعمل المهني، وهذه الثقافة ترسخت في السنوات الأخيرة وتشكلت من عدة مصادر، من أبرزها البيئة التي يعيش بها الطالب باعتبارها المصدر للآراء ووجهات النظر?والتصرفات والمواقف والمعتقدات، التي يتمسك بها الكبار، ويبدونها حيال القضايا المختلفة، التي تسهم إلى حد كبير في تكوين ثقافة الفرد، بطريقة شعورية أو لا شعورية، وتنمو مع نموه، وتكون نتيجة للتفاعل بينه وبين المحيطين الاجتماعي والمادي حوله.
ونظرا للدور الكبير للثقافة التي يحملها الفرد في التوجه والإقبال على نوع التعليم، أضحت الثقافة المجتمعية السائدة في بلدنا مصدراً لعزوف الشباب والشابات عن التعليم والتدريب المهني، لذلك صار لا بد من تغيير هذه الثقافة إذا أردنا أن نواجه مشكلة البطالة التي تفاقمت لاعتبارات غير موضوعية بالإمكان تجاوزها بجهد وطني مخلص، لذلك جاءت هذه المبادرة للمساهمة مع المؤسسات الوطنية المعنية لتغيير الثقافة المجتمعية نحو التعليم والتدريب المهني، من خلال اقتراح خطوات عملية محددة، موجهة للجهات ذات العلاقة بعملية تغيير الثقافة الم?تمعية السائدة نحو العمل اليدوي، ومن ثم التعليم المهني, وبناء ثقافة وطنية بديلة، تنظر للتعليم والتدريب المهني نظرة تقدير واحترام، إذا أردنا مواكبة التطور والتحديث، ووضع الحلول المناسبة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية الملازمة لحركة المجتمع وتطوره ونموه من خلال إعداد الأيدي العاملة والمدربة من كلا الجنسين وبما يحقق العدالة للجميع، مما يزيد من أهمية التعليم المهني كضرورة وطنية ملحة لمعالجة العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، التي يرتبط حلها بفاعلية إعداد القوى البشرية.
كما دلت على ذلك تجارب دول متقدمة يتجه غالبية طلبتها نحو التعليم والتدريب المهني باعتباره الشرط الأساسي لتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي، من خلال السياسات التربوية التي ضمنت مساقات التربية المهنية بمختلف المستويات التعليمية وبمجالاتها المتعددة، بهدف توعية واستكشاف القدرات المهنية وتوجيهها الوجهة التعليمية الصحيحة.
وجاء في المبادرة أنه إنطلاقاً من الإيمان بأن الثقافة المجتمعية نحو التعليم المهني تشكل التحدي الأخطر الذي يواجه الأمن الاجتماعي الأردني كون الثقافة المجتمعية تعظم مشكلة البطالة وبالتالي الفقر، ومشاكل اجتماعية أخرى في غاية الخطورة، من أبرزها المخدرات والجريمة والعنف والتفكك الأسري، صار العمل على تغيير هذه الثقافة قضية أساسية للحفاظ على أمن المجتمع واستقراره وضمان أمن الوطن ومقدراته وتحقيق نهضته، وهو ما تهدف إليه هذه المبادرة التي تتجه إلى أصحاب العلاقة المباشرة والرئيسة وهم وزارة التربية والتعليم التي تقدم ?ها المبادرة عدة مقترحات تسهم في تشجيع الطالب وأسرته للإقبال على التعليم المهني، فالأسرة شريك أساسي ومحوري في حل هذه القضية، لذلك رسمت المبادرة أدواراً رئيسية ومحددة للأسرة لتغيير الثقافة المجتمعية السائدة.
ومثل وزارة التربية والتعليم فإن لوزارة العمل أدواراً رئيسية في تغيير الثقافة المجتمعية السائدة نحو التعليم المهني, وهي أدوار تضمنتها هذه المبادرة, مثلما تضمنت دور وسائل الإعلام في تغيير الثقافة المجتمعية, وكذلك أدوار سائر المؤسسات الحكومية والأهلية.
[email protected]